هل تسمع الشقوق في الحائط؟ | شعر

الفنّان قيس السندي

 

خَرَف

 

الصدأ

يبني أعشاشه

في كبد المنزل،

ثمّة طيورٌ نافقةٌ

على الرفوف.

حضارةٌ تحاول

غير أنّها تتعفّن ببطءٍ

في سلّة الخضروات.

لا بيض يفقس

لا شمس تخرج إلى الشرفة النادرة

 يضمحلّ الأثاث.

لكن، هل تسمع الشقوق في الحائط؟

إنّها تقول الحقيقة!

ينتهي الرجل أخيرًا

من حلاقة ذقنه،

رجلٌ لا يسكن المنزل

أرملٌ مصابٌ

بخَرَفِ الطيور.

كم هي فاتنةٌ تلك البلادة!

يسيل وجهه

كمياه استحمامٍ قديمة

من ثقوب المرآة!

 

*

 

مرثاة

 

كلّ القطارات الّتي مرّت خلال نومه

كلّ الحيوانات الّتي دخلت جراحه المفتوحة

كلّ النساء اللّائي أحببنه بقسوةٍ

كلّ القصائد الّتي حفرها

بأظافره الدامية

في لحم الهواء

وكلّ الأشباح الّتي رافقته

طيلة حياته،

 

لم تستطع أن تجعل فمه

 يزهر بكلمةٍ إضافيّةٍ واحدةٍ

 

كان هناك

يجلس بصمتٍ

خلف مكتبه

 

الفراشات تغادر جسده

وهو يستحيل

شيئًا

فشيئًا

إلى حجرٍ أزرقَ كبير!

 

*

 

أسماك نافقة

 

أَفْرَغوا مِنْ جثّتي الملح

والأسماك

وأعشاب البحر

ثمّ ألقوا صنانيرهم

 

رجالٌ متروكون عند الضفّة

يقرعون باب الماء

وآخرون يسوّون الطين

ليدخل الدمُ السيّدُ.

 

هذا أوج الصيد،

 

تنتحب الفرائس

في أَلْحِيَةِ الأشجار

ويصطبغ الطريق بالأحمر

 

الطريق إلى الداخل

إلى البحيرات

 

إلى الغابة الناحلة

 

وإلى كلّ شيء

 

*

 

جَمَلُ القيامة

 

حبل وجوهٍ

يتدلّى من مشنقةٍ

أسمّيها الطريق،

الطريق ليست مرآةً

المرآة لن تتكسّر على حَجَرِ النهر

وتصير نرجسًا-

أحدّق في النرجس جيّدًا

أرى وجهي في فضّة التكوين

في قراءات الورد الآفل،

في انتباه السياج إلى ساق فرسٍ عالقةٍ أبدًا-

أمنح روحي لأفعى غريبةٍ

تعود النصوص إلى أصابعها

الألواح والطباشير

إلى أحجية المعلّم

الأرانب والغابات الشاسعة

إلى قبّعة الساحر

ثمّ تكون

ظلًّا

ولحمًا غامضًا على أجسادٍ كثيرةٍ

تصعد باسمي حتّى عصا الليل

ومرضه-

ثمّة مَنْ ينجّم

دون نجوم،

عارفٌ

يجلس على شرفة المحار

ويلقي

حصاه على رملٍ أليمٍ،

ويرى إلى الأشياء

كيف تكون

وتفنى

كيف يرث الرماد حضارة السلّم

والهاوية زرقةَ العصافير

والمطلق رسلًا مزيّفين-

من سمّ الخيّاط يعبر

كأنّه جَمَلُ القيامة

حمّال رؤًى

وخسارات!

 


 

عمر زيادة

 

 

شاعر ومترجم. حاصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في اللغويّات التطبيقيّة والترجمة من جامعة النجاح الوطنيّة. يعمل مترجمًا في اتّحاد الكتّاب الفلسطينيّ. له مجموعة شعريّة بعنوان 'كلاب عمياء في نزهة' (2017)، صادرة عن الدار الأهليّة للنشر والتوزيع، بتوصية من لجنة تحكيم 'جائزة الكاتب الشابّ' لعام 2015، التابعة لمؤسّسة عبد المحسن القطّان.